الإسلاموفوبيا في فرنسا- جريمة تقتل وتستدعي حوارًا وطنيًا عاجلاً.

المؤلف: حسن أوريد09.04.2025
الإسلاموفوبيا في فرنسا- جريمة تقتل وتستدعي حوارًا وطنيًا عاجلاً.

تُعدّ الجريمة البشعة التي نفذها متطرف بتاريخ 25 أبريل/نيسان، والتي أودت بحياة الفتى "أبوبكر سيسي"، ذي الأصول المالية، داخل مسجد في قرية تقع جنوبي فرنسا، واحدة من أكثر مظاهر الإسلاموفوبيا شناعة وقبحًا، إذ تسلط الضوء على الوجه الحقيقي والمروع لهذه الظاهرة.

هذه الجريمة المروعة تعيد إلى الأذهان حادثة مماثلة عندما اقتحم مجرم منزل المسلم المغربي محمد المعقولي بالقوة، بعد حادثة شارلي إيبدو في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2015، وقام بطعنه أمام زوجته وأبنائه الصغار، وقام بقطع إصبعه السبابة عندما رآه ينطق الشهادة وهو ينازع الموت.

كما تستحضر الذاكرة أيضًا جريمة "ليتل كريستشرتش" المأساوية التي وقعت في أبريل/نيسان 2019 في نيوزيلندا، عندما قام مجرم باقتحام أحد المساجد وفتح النار على المصلين في يوم الجمعة.

إن وجه المقارنة لا يقتصر على فظاعة الأفعال وشدة بشاعتها، بل يمتد ليشمل دوافع الجريمة وأسبابها، لأنها تستند إلى مرجعية واضحة. فالحالات الثلاث لم تكن مجرد جرائم وحشية، بل كانت بمثابة رسائل سياسية صارخة تكشف عن طبيعة الإسلاموفوبيا الخبيثة. وبالتالي، لا يجب التعامل مع جريمة الفتى "أبوبكر سيسي" على أنها مجرد جريمة عادية أو حادثة منفصلة، أو مجرد رقم آخر يضاف إلى قائمة أعمال العنف المرتكبة ضد المسلمين.

إضافة إلى ذلك، تنبئ هذه الجريمة بتحول خطير في سياق متوتر وملتهب نتيجة لتداعيات الحرب على غزة، وتفاقم العلاقات بين الجماعات ذات الخلفيات الثقافية المتنوعة في فرنسا وفي عموم أوروبا.

لقد أدانت السلطات الرسمية في فرنسا هذه الجريمة، مؤكدة أنه لا مكان للعنصرية والكراهية في فرنسا، ولكن هل الإسلاموفوبيا هي مجرد تعبير عن العنصرية والكراهية؟

إن المسألة أعمق وأخطر بكثير من أن تختزل في مجرد العنصرية والكراهية. فالعنصرية هي شعور موجود لدى بعض الفئات المجتمعية، وحالات فردية، وقد يكون الدافع وراءها هو الجهل والأحكام المسبقة، أما الكراهية فهي انحراف نفسي، ويمكن التعايش معها طالما أن أصحابها يخفونها ولا يظهرونها. أما الإسلاموفوبيا، وكما تجلت في حالة "أبوبكر سيسي" وغيرها من الحالات، فإنها تؤدي إلى القتل، وبالتالي فهي جريمة، أو يجب أن تصنف كجريمة يعاقب عليها القانون.

لقد كان عميد مسجد باريس، حفيظ شمس الدين، مصيبًا عندما دعا إلى حوار فرنسي- فرنسي، لأن الجريمة التي ارتكبت بحق الضحية "أبوبكر سيسي" تمثل تحولًا خطيرًا في مسار الإسلاموفوبيا، وقد أثارت شعورًا بالخوف والقلق لدى المسلمين في فرنسا من تفاقم الأوضاع، وقد تكون بمثابة إنذار مبكر لاندلاع توترات بين الجاليات. وكان العميد محقًا أيضًا في إدانته لما وصفه بازدواجية المعايير، أو التمييز في التعامل بين الأعمال المعادية للسامية والأعمال المعادية للمسلمين.

الإسلاموفوبيا ليست مجرد شعور بالعداء والكراهية تجاه المسلمين، والتوجس منهم، بل هي عنف يتخذ أشكالًا متعددة، بدءًا من الاحتقار والازدراء والتمييز والتحرش والتضييق، وصولًا إلى العنف المادي الصريح. وهي تتأرجح بين الشعور والسلوك والفعل.

والإسلاموفوبيا ليست مجرد عنصرية عادية، لأنها تستند إلى مرجعية أيديولوجية وعوامل فاعلة ومؤثرة، كما أوضح الباحثان الفرنسيان من أصول مغربية، عبدالعالي حجات ومروان محمد، في كتابهما الصادر باللغة الفرنسية: "كيف تصنع النخب الفرنسية (المشكل الإسلامي)".

والإسلاموفوبيا ليست مجرد أعمال عنف عشوائية، لأنها تستند إلى ما يسمى بصناعة الإسلاموفوبيا، أي تشكيل الرأي العام وتوجيهه. وهي ليست ثابتة، بل متطورة وتتغير حسب الظروف والسياقات الزمنية المختلفة، إذ يوجد ما أسماه الباحث الفرنسي فانسان جيسر بـ"الإسلاموفوبيا الجديدة"، التي ظهرت عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، والتي تستند إلى مرجعية أكاديمية، وتتجاوز مجرد التصرفات العنصرية.

ما فتئت الإسلاموفوبيا تتخذ أشكالًا جديدة وصورًا متطرفة، وتستغل وقوع الأحداث المروعة، كما حدث في جريمة شارلي إيبدو، أو مقتل الأستاذ صامويل باتي (2020).

بيد أن الإسلاموفوبيا تلتقي في عنصر أساسي وثابت، وهو ما أسماه الباحثان المذكوران بـ"المشكل الإسلامي"، وهو من صنع النخب الإعلامية والأكاديمية، ويتمحور حول الحكم بعدم قدرة المسلمين على الاندماج في المجتمع، أو أن المسلمين يمثلون مشكلة ويتعارضون مع قيم الجمهورية.

والواقع أن المسلمين الفرنسيين أثبتوا أنهم مواطنون فرنسيون مخلصون، يَدينون بالولاء لبلدهم وقيمه ومؤسساته، وقد شجبت الهيئات التمثيلية كل محاولة لإدراجهم في مرجعية طائفية، وكانت حاضرة في كل اللحظات الحاسمة والمؤلمة، من خلال إدانتها لجميع أعمال العنف التي تعرضت لها فرنسا.

هل تتعامل السلطات الفرنسية مع الحالات الشاذة التي يتعرض لها المسلمون بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع الأعمال المعادية للسامية؟ وهل يمكن للهيئات التي ترصد حالات الإسلاموفوبيا أن تعمل في نفس الظروف التي تعمل فيها الهيئات التي ترصد الأعمال المعادية للسامية؟

المسألة لا تتعلق بمجرد المساواة في التعامل مع مختلف الطوائف، بل تتعلق بإشعار المواطنين المسلمين بأنهم مواطنون كاملو المواطنة، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، أو مواطنين تلاحقهم الشبهات إلى أن يثبت العكس.

تعيش فرنسا، وأوروبا بشكل عام، مرحلة جديدة فرضتها تداعيات الحرب على غزة، واشتداد التوتر بين الجاليات، الأمر الذي يتطلب مقاربة جديدة لاحتواء الأزمة، أو وضع حد لما يسميه البعض "بالحرب الأهلية الباردة" التي تتغذى على مرجعيات مختلفة، بما في ذلك نظرية الاستبدال الكبير، وكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا، والأحداث المؤلمة، واستغلالها.

يجب إجراء حوار بناء بين المؤسسات التمثيلية للمسلمين في فرنسا، والشخصيات الدينية والفكرية، ومؤسسات الدولة، من أجل طمأنة المسلمين أولًا، وثانيًا وضع آليات قانونية لحمايتهم من الإسلاموفوبيا، وذلك من خلال تجريمها وتجريم جميع الأعمال المصاحبة لها، سواء كانت عنفًا رمزيًا أو ماديًا.

وينبغي أن يسود التوازن والاعتدال في وسائل الإعلام، وخاصة الإعلام المرئي، حيث تبث بعض القنوات خطاب الكراهية وتنشر الخوف بين السكان الأصليين، مما يؤدي إلى الحذر من الأجانب أو ما يسمى برهاب الأجانب.

وينبغي أن تتوقف الممارسات التفتيشية التي عانى منها الكثير من المسلمين في فرنسا، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، في الأحياء، من خلال المعاملة القاسية من قبل قوات الأمن، أو التمييز في الوصول إلى الخدمات العامة، أو في الحصول على فرص العمل أو السكن، مما يدفع العديد من الكفاءات إلى الهجرة.

يجب إنهاء الوضع الذي عبر عنه مجموعة من الباحثين في كتاب "تحب فرنسا وتغادرها مع ذلك"، لأن فرنسا لا تفتح ذراعيها لبعض أبنائها، مما يضطرهم إلى مغادرتها، لأنهم يكتشفون أنهم فرنسيون فقط على الورق.

لا يوجد أي مبرر للإرهاب، ولا يمكن التغاضي عنه، ولا عن مرجعياته ومن يدعو إليه ومن يرتكبه، ولكن لا يجوز استغلال الإرهاب كذريعة للإسلاموفوبيا، أو كوقود يغذيها.

ولا يوجد شيء يمكن أن يبرر معاداة السامية، سواء كان ذلك رأيًا أو سلوكًا أو فعلًا. يجب التصدي لكل ما يهدد سلام المجتمع، ولكل أعمال العنف، بغض النظر عن مصدرها ومرجعيتها، بما في ذلك العنف اللفظي الذي يستهدف المواطنين، بغض النظر عن عقيدتهم وأصولهم.

المسلمون في فرنسا ليسوا فوق القانون، ولا يجوز أن يكونوا أدنى منه، أو أن يطبق عليهم القانون بشكل انتقائي.

ليس من مصلحة المسلمين في فرنسا أن يعيشوا في حالة دائمة من التوتر، وليس من مصلحة مؤسسات الدولة أن يستمر ما تسميه بالطائفية أو النزعة الانفصالية. وليس من مصلحة فرنسا أن تتهم بمعاداة المسلمين. وما هو الدور الذي يمكن أن تضطلع به على مستوى العلاقات الدولية وهي تحمل وصمة الإسلاموفوبيا؟

مقتل الفتى "أبوبكر سيسي" يمثل لحظة حاسمة ومفصلية تستدعي إجراء حوار هادئ وعقلاني في فرنسا وخارجها، لمواجهة آفة الإسلاموفوبيا. الإسلاموفوبيا ليست مجرد رأي أو وجهة نظر، أو انحراف، بل هي جريمة تزهق الأرواح.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة